هل يجوز الاعتمار عن الميت
يعلم الكثير منّا أن الصدقة الجارية والعمل الصالح ذو النفع العام للمسلمين والدعاء من الذرية الصالحة للأبناء هم الأعمال الثلاثة التي لا ينقطع ثوابها عن ابن آدم حتى إن توفي إلى رحمة الله تعالى، فهي المصادر الحسنة للثواب الذي يُمكن للأحياء منحه للميّت في قبره، وهنا قد يتساءل البعض عن هل يجوز الاعتمار عن الميت ؟ وإن كان هذا مشروعاً فما هي شروط من ينوب عن الميت في الحج والعمرة، وهل يصل للميت حقاّ ثواب وأجر العمرة ؟ فذلك ما سنجيب عليه تفصيلاً في الآتي.
أفاد أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية الشيخ عبد الله العجمي بأنه نعم، يجوز الاعتمار عن الشخص الميت، كما يجوز الحج عنه أيضاً، ويُعد هذا الأمر من أفضل الأعمال التي ينتفع الميت من ثوابها بدرجة كبيرة، وقد جاء الدليل على جواز النيابة عن الأموات في الحج والعمرة في السُنة النبوية الشريفة حينما سُئل النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الأمر وأجاب بالإجازة وصحة هذا الفعل، فعن عبدالله بن العباس قال: (أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ جاءَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ).
وهنا ينقسم الناس بوحه عام إلى أقسام عدة، ليكون منهم من أدى فريضة الحج عن نفسه وفريضة العمرة أيضاً، وهذا الشخص إن قام أهله بالحج عنه أو الاعتمار نيابة عنه فيكون عملهم نافلة، ويل أجرها إلى المتوفي بإذن الله تعالى، وإنما إن لم يكن الميت قد حجّ أو اعتمر سابقاً، فإن الشخص الذي يقوم بالحج أو العمرة عنه يكون قد أدى فريضة عنه، ويكون مأجوراً على أي حال، فالميت مأجور على أداء الحج أو العمرة وكذلك من قام بأداء الحج أو العمرة عنه يكون مأجوراً أيضاً، وذلك بفضل إحسانه لأخيه المسلم وساء كان أبوه أو أخيه أو أمه أو أخته أو أي من أقاربه، فيؤجر الحي والميتّ جميعاً على هذا العمل الصالح.
حُكم من مات وعليه حج واجب
أجتمع علماء المسلمين على أن من مات وانتقل إلى رحمة ربه وعليه واجب الحج، بقي واجب الحج في ذمته، لذا وجب على أهله وذويه الحج عنه من ماله، سواء قام الميت بالتوصية بذلك أم لا، وهذا هو رأي جمهور العلماء من الحنايلة والشافعية وابن الباز ومجموعة كبيرة من السلف الصالح، وقد استندوا في رأيهم بضرورة الحج عن الميت الذي كان عليه حجاً واجباً بقول الله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) حيثُ قالوا إلى أن الآية القرآنية الكريمة تتضمن جميع الديون، ومن مات وبقى في ذمته حج فإنه عليه ديّن يجب قضاءه عنه من ماله قبل الشروع في تقسيم التركة على الورثة، وقد قام خير الخلق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتشبيه ما يكون على الميت من فروض تركها ومات دون فعلها مثل الحج بمثل الديّن الذي لا يسقط بالموت، ويجوز القيام بالتبرع عن الميّت سواء من أحد الوارثين أو من غير الوارثين، وسواء قام الوارث بالإذن له أو لم يأذن له بالحج عمن ورثّه.
شروط النيابة عن الميت في أداء الحج والعمرة
هناك عدة شروط يتوجب توافرها في الشخص الذي يود النيابة عن الميت في أداء فريضة الحج أو العمرة، وتتمثل هذه الشروط في:
أولاً : أن يكون الشخص قد حجّ عن نفسه حج الفريضة أولاً
ففي حالة رغبة شخص ما بأن ينوب عن شخص متوفي في أداء فريضة الحج أو العمرة أن يكون قد حجّ عن نفسه حج الفريضة أولا، وإلا فإن الحجة التي سيقوم بأدائها ستكون عن نفسه وليست عن الميت، ولن يجزئ بها الميت أو يصل إليه ثوابها، فالنفس أحق من غيرها بأن يُفضلها الشخص خاصةً في أداء الطاعات والفرائض، والأصل في الأمر أن يُقدم الإنسان نفسه عن غيره.
ثانياً : لا يُشترط أن يكون النائب عن الميت رجلاً
وهنا أفاد العلماء بأنه لا يُشترط بأن يكون النائب عن المتوفي في أداء الحج أو العمرة رجلاً وليس امرأة، فيجوز للمرأة أن تنوب عن الميت لأداء فريضة الحج أو العمرة أيضاً، وقد جاء هذا القول بإجماع علماء جميع المذاهب الفقهية الأربعة ( الحنابلة، الشافعية، المالكية، الحنفية)، وقد استدلوا في قولهم بجواز حج المرأة عن ذويها بما جاء في حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: (كانَ الفَضْلُ رَدِيفَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وتَنْظُرُ إلَيْهِ، وجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْرِفُ وجْهَ الفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ علَى الرَّاحِلَةِ؛ أفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ)
العمرة عن الوالدين المتوفين
وفيما يتعلق بتساؤل البعض حول جواز أداء الأبناء للحج أو العمر عن أحد أو كلا الوالدين المتوفيين إلى رحمة الله تعالى، فقد أفاد علماء المسلمين بأنه يجوز للأبناء أداء فريضة الحج أو العمرة عن الوالدين بشرط أن يكون من يؤدي العمرة قد أداها عن نفسه أولاً.
وقد قال الشيخ عبد الله العجمي أمين الإفتاء بدار الإفتاء المصرية في سؤال أحد الأشخاص حول ( هل يجوز أداء العمرة عن شخص متوفي أو شخص حي آخر لم يعتمر من قبل؟ ، وقد جاءت الإجابة بأنه الأصل في النيابة عن الحج أو في العمرة جائزة وذلك بشرط أن يعتمر المرء عن نفسه أولاً، ويجوز أداء العمرة عن الشخص الميت وكذلك عن الشخص الحي العاجز عن أداء العمرة بنفسه، سواء كانت عمرة فريضة أم عمرة تطوع، فيجوز للإنسان أن يعتمر عن غيره من الأحياء، وذلك شريطة أن يكون الحيّ مريضاً بمرض يجعله عاجزاً عن الذهاب للأراضي المقدسة وأداء شعائر العمرة بنفسه، أو أن يكون مُسناً فلا يقدر على مشاق الشفر وأداء الشعائر الدينية المقدسة في العمرة، وقد جاء هذا الرأي استناداً على ما جاء في حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: (كانَ الفَضْلُ رَدِيفَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وتَنْظُرُ إلَيْهِ، وجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْرِفُ وجْهَ الفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ علَى الرَّاحِلَةِ؛ أفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ) ، ويُسن للمعتمر التلبية قبل الوصول إلى بيت الله الحرام، وبعد الإحرام من الميقات مع الحرص على الإكثار منه وذلك من خلال قول:(لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لكَ).